ضاعت القافله فى قلب الادغال وشعر أفرادها بالخوف والقلق وهم يسيرون على غير هدى وسط احراش
بلا نهايه ..
وفجأة انطلقت الصرخات حولهم..
وبرز المتوحشون من كل صوب..
وانهار أفراد القافلة وحاولوا الفرار وراحوا يطلقون نيران بناديقهم على المتوحشون عبثاً..
ولكن هيهات..
لقد سقط المتحضرون فى أيدى المتوحشين , بسبب كثرة عدد الأفريقين الذين أسرعو يحملون أفراد القافلة إلى قريتهم
الهمجية حيث قيدوا كلا منهم إلى عامود قوى وبدأوا يرقصون حولهم رقصاتهم البدائية ويشعلون النيران استعداداً لقتلهم..
ويتجمد الجميع فى رعب ..
ثم يظهر البطل العارى الصدر القوى العضلات الأبيض البشرة الأشقر الشعر وهو يهاجم القرية وحده متعلقاً بحبل من
الألياف القوية ومتمنطقاً بخنجره الحاد..
ويتراجع المتوحسون فى رعب أمام البطل الذى يطلق سراح القافلة ويهزم الأشرار ويتلقى هتاف المعجبين وتصفيقهم ..
ثم ينتهى الفيلم..
هذه هى المشاهد التقليدية فى كل فيلم من أفلام البطل الأسطورى صاحب الأسم العجيب..
(طرزان)..
و(طرزان)هذا هو بطل قديم يعود مولده إلى أكثر من ثلاثة أرباع القرن..
وإلى مبتكره الروائى الأمريكى (إدجار رايس باروز) صاحب الميول العنصرية الواضحة..
و(إدجار)هذا روائى تقليدى قضى الشطر الأكبر من حياتة يكتب الروايات الاجتماعية التى تلقى اقبالا محدوداً على الرغم
من حمى التهافت الأدبى التى سادت ذلك العصر فى أوائل القرن العشرين ..
ولم يكن (إدجار)على الرغم من كونه أديبا من أصحاب العقول المتفتحة أو الافكار المتحررة بل كان -على العكس- شديد
التزمت والصرامةفيما يخص التقاليد العريقة والعادات القديمة..
وكان هذا هو سر مولد (طرزان)..
لا تجعل هذا يدهشك فهذا هو الواقع ..
لقد ولد (طرزان)فى أعماق أفكار (إدجار باروز)المتزمتة الشديدة التعقيد..
ولكن دعنا نؤجل هذا لما بعد ..
المهم الان أن تعلم من هو (طرزان)هذا..
الواقع أن (طرزان)مجرد فكرعجيبة طرأت فى ذهن (إدجار باروز)ذات ليلة وهو يناقش مع اصدقائه بعض الأراء الاجتماعية التى
كان يعتنقها فى شدة..ومع انصراف الأصدقاء فى وقت متأخر من الليل نهض (إدجار )إلى مكتبه وبدأ يضع الخطوط الأولى
لبطله (طرزان)..
وفى رواية التى تحمل نفس اسم بطله , بدأت قىة (طرزان) قبل مولده..
بدأت بأبيه اللورد (جراى ستوك ) , وهو يستقل مركباً كبيراً مع زوجته , بالقرب من سواحل (أفريقيا) , فى الوقت الذى قام
فيه بحارة المركب بحركة تمرد , سيطروا خلالها على المركب , وتخلصوا من قبطانه وضباطه بلا رحمة ...
ثم حان دور اللورد (جراى ستوك ) وزوجته ..
وبكت الزوجة , واستعطفت البحارة , لكى يتركوها وزوجها , وذلك الجنين فى بطنها..
ولم يقتلها البحارة..
لقد أنزلوها مه زوجها عند أول شاطىء , وتركوها هناك , وانصرفوا بالمركب ..
وكان على الزوجين الذين قضيا حياتهما كلها فى رفاهية ودعه.. أن يقاتلا للعيش فى أدغال(أفريقيا) الوحشية..
وبذل (جراى ستوك ) كل ما يمكنه , ليوفر لزوجته حياة مناسبة , حتى تضع وليدها..
ثم حانت اللحظة المناسبة ..
لحظة الميلاد..
وفى ليلة ليلاء , أطلقت الليدى (جراى ) صرختها الأولى وأخرجت ابنها الى الحياة , وفى نفس الوقت الذى انصرفت هى
منها ..
ماتت الأم المسكينة , وهى تلد ابنها ..
وبكى (جراى ستوك ) زوجته , وتمنى لو لحق بها ..
واستجاب له القدر , بأسرع مما تصور ..
لقد هاجمتة غوريلا ضخمة , قبل أن تجف دموعه , وقاتلته , ثم قتلته ..
وارتفع بكاء الضغير , فاقتربت منه الغوريلا فى دهشة ’ ثم لم تلبث رؤيته أن ايقظت فى أعماقها غريزة الأمومة , فحملت
الصغير فى رفق , وعادت به إلى قبيلتها , وضمته إلى صدرها ..
ونما الصغير وسط القرود , حتى صار صبياً ..
ثم شاباً يافعاً..
ولانه بشرى ..
ولانه ابيض على وجه الخصوص , بدأ الشاب يتصرف بمزيج من ذكاء البشر , وقوة الغوريلا , فراح يصنع لنفسه اسلحة أقوى
, وتعلم لغات الحيوانات والطيور , وفرض سيطرته عليها بقوته وذكائه وشجاعته..
ولم تمض أعوام قليلة , حتى صار ذلك الشاب , الذى يحمل اسم (طرزان) , هو ملك الغابة بلا منازع , يخشاه الجميع , من
البشر والحيوانات..
حتى الاسود هزمها (طرزان), وسخر منها ..
ثم وصلت حامله استكشافية إلى (افريقيا) , وهى تضم بين صفوفها (جين) الجميلة , التى وقعت مع مع الحملة فى فخ
شرير , أعده المتوحشون , الذين حملوا الجميع إلى قريتهم وكادوا يقتلونهم , و ..
ويظهر (طرزان)..
وببطولة منقطة النظير , ينقذ (طرزان)الحملة كلها, ويطرد الزنوج..
وتقع (جين) فى غرام (طرزان), وتقرر الزواج منه , على الرغم من اعتراض أفراد الحملة , الذين يحاولون إثنائها عن هذا ,
بسبب وحشية (طرزان)وبدائيته..
ولكن الامور تتضح بسرعة ويعلم الجميع ان (طرزان) والريث الوحيد لعائلة (جراى ستوك ) , فيحمل لقب اسرتة , وتنتهى
القصة بأن يصبح (طرزان) الأبيض هو أعظم من يقطن(افريقيا) السوداء..
أظنك قد أدركت الان ما الذى كنت أعنيه, عندما قلت ان (طرزان) هو وليد افكار (إدجار باروز) المتزمتة..
بل قل العنصرية ..
لقد كان هدف (باروز) , من ابتكار شخصية (طرزان), هو أثبات أن الرجل الأبيض هو المتفوق دائماً وهو العبقرى الذكى
الشجاع , القادر على السيطرة على الأفريقين الجهلة الأشرار , والذى بدونه تنهار (أفريقيا) كلها..
فكرة عنضرية من قمة رأسها , وحتى أخمض قدميها..
ولكنها كانت فكرة جديدة ..
وناجحة..
وعندما نشر(إدجار باروز) روايته (طرزان), فى عام 1914م , كان نجاحها محدوداً ,حتى أنها لم تغر كاتبها أبداً بالاستمرار فى
هذه النوعية من الكتابة , فعاد إلى رواياته الاجتماعية , ونسى أمر (طرزان) تماماً..
ولكن الرسام الشهير (هارولد فوستر) التقط الشخصية مرة اخرى , بعد خمسة عشر عاماً , وقرأ الرواية , التى فجرت
طاقات الخيال فى أعماقة , ودفعته إلى التقاط ريشته , وتحويل أحداثها إلى قصة مصورة أنيقة الرسوم..
وكان هذا ما ينقص شخصية (طرزان)..
أن يراها القارئ ويحيا معها..
وبريشة( فوستر) , ولدت شخصية (طرزان)مرة اخرى عام 1929م..
وفى هذه المرة كان النجاح ساحقاً..
وعرف العالم شخصية (طرزان), وأقبل عليها اقبالا منقطع النظير , لم يكن (باروز) نفسه يحلم به..
وكالمعتاد , أسرعت السينما إلى (طرزان)..
وتم توقيع عثد الأنتاج..
ولكن بقى اختيار البطل المناسب للدور..
وفى تلك الأثناء , برز السباح الشاب (جونى ديسمولى) , الذى حطم الأرقام القياسة للسباحة فى عصره , ونال شهرة
واسعة , لم يحظ بها سباح أخر ..
وهكذا اجتمع الشهيران.. (طرزان) و (جونى ديسمولى) ..
ووقع (جونى ) عقد أداء دور (طرزان)..
وبرز (طرزان)على الشاشة..
وتضاعف انبهار العالم ..
ومع النجاح الساحق , الذى حققه فيلم (طرزان) , وخاصة بعد أن ابتكر (ديسمولى) صرخة شهيرة ارتبطت بالشخصية , قرر
السينمائيون انتجا سلسلة أفلام لـ (طرزان)..
وبدأ عالم (طرزان) يتكون , ويجذب الجماهير أكثر وأكثر ..
وفى غضون سنوات قليلة, صار (طرزان) أسطورة يندر أن تجد من يجهلها , فى كل انحاء العالم ..
وصدرت عشرات الروايات المصورة لــ (طرزان)وعشرات الافلام وارتبطت الشخصية فى الاذهان بالممثلل (جونى ديسمولى) ,
الذى جسدها ببراعة منقطة النظير , على الرغم من تقدمة فى السن مع الأجزاء الأخيرة من افلام (طرزان)..
وصار الاقتران بأسم (طرزان)حلماً للجميع , وخاصة بعد أن انتقلت ريشة الشخصية من (هارولد فوستر) إلى واحد من اعظم
رسامى القصة المصورة عبر التاريخ , والملقب بـ(مايكل انجلو)القصة المصورة , وهو (بورن هوجارت)..
وأصبحت روايات (طرزان)المصورة, التى يرسمها (هوجارت) تحفة نادرة لمن يقتنيها , كما أصبح (ديسمولر)واحد من أشهر
وأغنى نجوم (هاليود)..
ولكن(ديسمولر)ل ميستطع الاستمرار فى أداء دور (طرزان)الى الابد..
ولم يوقف هذا سلسلة أفلا ملك الغابة الأشقر..
لقد ظهر بسرعة ممثل اخر , احتل الدور على الشاشة , وهو(ليكس باركر) الذى صمد فى اصرار أمام استنكار المشاهدين
واستهجانهم له بعد ان اعتادو رؤية (جونى ديسمولر)فى ذلك الدور..
ولكن يبدو انة حتى الأذواق يمكن تشكيلها ..
لقد اعتاد المشاهدون فى سرعة على رؤية(باركر) فى دور (طرزان), ونسى معظمهم (ديسمولر)الذى اعتزل التمثيل
ورفض قبول اى دور اخر بعد أدوار (طرزان)..
وهكذا انزوى شخص ثالث , بعد (باروز) و (فوستر) , فى دائره النسيان , التى لم تلبث أن احتوت بدورها (ليكس باركر) و
(هوجارت)..
وعندما توفى (جونى ديسمولر)كشفت تحقيقات إحدى الصحف الامريكية أن ستين فى المائة من الجيل الجديد يجهل تماما
من هو (جونى ديسمولر) مما دعا الصحفية لبحث تاريخ (طرزان)لتكشف ان تسعين فى المائة من الشعب الامريكى يجهل
اسم (هارولد فوستر), وأقر خمسة وثمانون فى المائة بأنهم لم يسمعو قط عن اسم ( ادجار باوز) فى حين يعرف أربعون
فى المائة منهم اسم (ليكس باركر)..
كل هذا على الرغم من أن ثمانية وتسعين فى المائة يعرفون كل شىء تقريباً عن (طرزان)..
وهكذا أثبتت دائرة الخلود مرة أخرى أنها لا تحتفظ طويلاً بأسماء المبتكرين فى هذا المجال ..
لقد فقد (باروز) و (فوستر) و (هوجارت ) و( باركر) , واحتفظ فقط باسم البطل الذى ل ميعش لحظة واحدة فى عالم الواقع..
باسم (طرزان).
>يرجى عدم الرد<
|