بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على عبده و رسوله محمد
و على آله وصحبه أجمعين..
لا تحزن .. إذ لم يُستجب دعاءك إلى الآن !
لا تحزن .. فربنا لم يؤجل إجابته عبثًا و لا هملاً , بل فعل ذلك لحكمة يعلمها
و لا نعلمها ,فانتظر هذه الحكمة إلى أن تنكشف لك بجمالها ,
و مفاجأتها السارة التي طالما عودنا الله عليها , وقد فعل ذلك سبحانه مع من هو خير
مني منك
( يعقوب عليه السلام ) , يعقوب جلس يدعو ربه
أربعين سنة , لكي يرد الله عليه ابنه و حبيبه يوسف عليه السلام ,
حتى أنه فقد عينه من شدة البكاء , و بعد كل هذه السنوات استجاب الله تعالى دعاءه
أما نحن فليس لدينا دعوة معينة ننتظرها من أربعين سنة
إلى الآن لم تتحقق و في نفس الوقت نحن ليس أفضل من يعقوب عليه السلام ..
فلماذا اليأس
تجد أن الإنسان أحيانًا ييأس من إجابة الدعاء مع أن الفرج قريب !
و هذا الشيء يُضحك الله تعالى , فقد ذكر النبي صلى الله عليه و سلم :
إن الله يضحك من قنوط عباده , مع قرب تغير البلاء , فقال أحد الصحابة
: أو يضحك الرب عز و جل – يسأل النبي عليه الصلاة و السلام - ؟ ,
فقال عليه الصلاة و السلام : نعم , فقال الرجل : لن نعدم خيرًا من رب يضحك ..
صححه الألباني
لا تحزن و لا تيأس و لا تستعجل , لأن ذلك يمنع من إجابة الدعاء ..
عندها ستفقد الطلب الذي طلبته
يقول النبي صلى الله عليه و سلم : ( يُستجاب لأحدكم مالم يعجل .. يقول :
دعوت فلم يستجب لي )
متفق عليه
احيانًا يكون الفرج في قمة القرب من العبد , و يكون العبد الآن فقط وصل
إلى اليأس.. فلما يأس
و استعجل توقف نزول الفرج , مع أنه كان سينزل , قريب من العبد
غفر الله لك , لماذا يئست و توقفت عن الدعاء ؟
لا تتوقف .. استمر بالدعاء , فربنا عز و جل سيعطيك شيء آخر غير
إجابة الدعاء
كثير من الناس يظن أن أقصى شيء يحصله من الدعاء هو الإجابة فقط ,
لا .. هناك شيء آخر فأنت تطلب من خالق و ليس من مخلوق
فالواحد منا إذا طلب شيء من شخص آخر فإنه يريد منه أن يعطيه الشيء
الذي طلبه فقط ..
هذا بين الخلق , أما مع الخالق فالأمر مختلف , إذا دعونا الخالق سبحانه
فإنه يعطينا ما نريد , و فوق هذا يثيبنا و يؤجرنا حسنات ؛ لأنا دعوناه ,
و طلبنا منه ..
سواء أجيبت الدعوة أم لا .. أتدري لماذا ؟
لأن الله سبحانه يحب منك أن تسأله , يحب منك أن تطلب منه , و كلما طلبت
أكثر و ألححت عليه
أكثر ,فإن الله يحب ذلك منك أكثر
فأنت إما أن تأخذ الشيء الذي طلبته , و إما تأخذ حسنات مقابل دعاءك يوم القيامة ,
في الواقع
هذا الأفضل لنا ؛ لأن الحسنات ستفرحنا أكثر يومالقيامة
يوجد احتمال ثالث قد لا يستجيب الله لك , و قد لا يعطيك مقابل هذا الدعاء
حسنات ,لكن قد يصرف عنك أشياء مزعجة كانت ستقع بك و تؤذيك ,
و لأنك دعوت الله
فإنه سيصرف عنك من الشرور بقدر ما دعوت , حتى و إن كنت تطلب
شيئًا آخر لا علاقة له بالموضوع ..
قال النبي صلى الله عليه و سلم : ( ما من رجل يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم،
ولا قطيعة رحم، إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته،
أو يدخر له من الخير مثلها ،أو يصرف عنه من الشر مثلها )
قال الصحابة : إذن نكثر , قال : الله أكثر ..
رواه الترمذي وحسنه أحمد
سبحان الله .. يوجد في الدعاء شعور عجيب , إحساس مريح لن تجده في أي شيء آخر ..
لو لم يكن في الدعاء إلا هذا الإحساس لكفى فالواحد منا إذا دعا ربه و أخرج كل
ما في قلبه , يشعر بانشراح الصدر حتى قبل أن تستجاب الدعوة ..
و لما علم الله أن عباده يشعرون بكل هذه اللذة و الراحة ,
في أثناء دعائهم ,فإنه سبحانه ربما يؤخر استجابة الدعاء عنك ؛
لكي لا تنقطع عنك لذة الدعاء ؛
لأنها في الحقيقة , أحلى من لذة الاستجابة ..
فلا توجد مقارنة بين طعم الدعاء و طعم الإجابة !
لماذا الدعاء أحلى من الإجابة ؟ لأنه يوجد في الدعاء شيئان :
- شيء يحبه الله
- شيء نحبه نحن
فالله يحب أن ندعوه , و نحن نحب أن يستجيب لنا ..
و لا شك في أن ما يحبه هو أجمل بكثير
مما نحبه نحن.. و في كل خيرو هل تعلم أنه سبحانه أحيانًا قد يحرم العبد من شيء معين في حياته من أجل
أن يعطيه لذة أكبر منه ,
و هي لذة الدعاء , التي هي أحلى من
لذة الشيء نفسه الذي فقده لحكمه يعلمها الله سبحانه و تعالى ,
فهو يعلم أن العبد لو يفقد هذا الشيء ربما لم يدعو الله تعالى
أرأيت كيف هذه المعاني الرائعة التي جعلها الله تعالى في تأخير إجابة الدعاء
و مع كل هذه المعاني يظن كثير من الناس أن الله تعالى إذا أجاب دعاء العبد ,
فإن هذا يعتبر كرامة مطلقة
هذا ليس بصحيح , فالله سبحانه و تعالى يعطي العبد ما يريد لهوانه عليه ,
قد يحقق طلباته و فيها هلاكه و العبد المسكين قد يظن أن هذه كرامة
أحيانًا تكون كرامة و أحيانًا تكون إهانة أحيانًا تكون الإجابة عطاء
و أحيانًا تكون بلاء
كيف أعرف أن إجابة الله لدعائي كانت كرامة أم إهانة ..
كيف أعرف إن كانت من باب العطاء أو البلاء ؟
توجد علامة هي التي تبين لك ذلك , فإذا كان هذا الشيء الذي طلبته قد زادك
قربًا من الله تعالى , زاد في إيمانك , فإن إجابة الله لدعائك كانت عطاء و كرامة
أما إن كان هذا الشيء الذي طلبته قد أبعدك عن الله و كان سببا في نقص الإيمان
, فإن إجابة الدعاء هنا كانت بلاء و إهانة
مثال : شخص يطلب من الله وظيفة معينة , و أعطاه إياها ..
فإذا كان بعد الوظيفة يتصدق بمرتبه و يشكر ربه , و يتقن في عمله ,
و يساعد المراجعين .. إذن استجابة الله لدعائه كانت
كرامة و عطاء أما إذا كان بعد حصوله على الوظيفة ينام عن صلاة الفجر ,
و إذا عاد من العمل نام عن صلاة العصر , و لا يلتزم بعمله , و لا يؤدي زكاة ماله
, فهذا دليل على أن إجابة دعائه كانت بلاء و إهانة , ليست كرامة
ختامًا ..
تأكد أن الله تعالى متى ما أتيت إليه أتى إليك , بل يتقرب إليك أكثر مما
تتقرب أنت إليه , وسيعطيك الذي طلبته منه , و يزيدك فوقها من فضله ما يشاء
فقط أقبل على الله و سترى عجبا .. كلمه , اطلب منه ,
فهو سيعطيك أكثر مما تتصور , استمر بالدعاء حتى و إن انتهت حاجتك
كــــــم نطلب اللّه في ضر يحل بنا *** فــــإن تولت بلايــــانا نسيناه
ندعوه في البحر أن ينجي سفينتنا *** فـإن رجـــنا إلى الشاطئ عصيناه
و نركب الجوّ في أمــــن وفي دعة *** فما سقطنا ؛ لأن الحـــــافظ الله
اللهم احفظنا بحفظك , و تقبل منا دعاءنا , و اجعلنا عندك من المرضيين , المقبولين ,
مجابي الدعوة , برحمتك و أنت أرحم الراحمين
اسال الله تعالى ان اكون قد استفدت واياكم من هذا الموضوع