بائعة الريحان
في قرية رابضة...في قمة الجبل
تعيش في امان
تواجه الحياة...بابتسامة الأمل
وعندما ..
تبيض ظلمة المساء
بيضة السحر
وقبل أن يفترّ...مبسم الأفق
عن بسمة الصباح
تكون ..
قد أناخت الركاب...في الغشامرة
وقرية الغشامرة
مقر سوق السبت
كل دور
تبيع فيه..
الشيح والريحان
وربما..
تبيع قرن موز... وربما قرنين
وقبل أن يودع النهار
وعند نزعه الأخير
تكون في منزلها... تدقق الحساب
من يا ترى
بائعة الريحان؟
امرأة تخمشها... مخالب التسعين
امرأة عجوز... في وجهها المجعد الجبين
إشارة
إلى تعاقب السنين
بائعة الريحان
في وجهها تلبدت متاعب الزمن
وفي انحناء ظهرها... حكاية طويلة
من الوهن
بائعة الريحان
حكاية قديمة...جديدة
أغنية ريفية...فريدة
بائعة الريحان
راوية...لا تعرف المراء
لا تعرف التزلف المشين...والرياء
تقول ما تشاء
وربما..
يلجمها الحياء... فتلزم السكوت
وتنتهي
حكاية الريحان...أو تموت
بائعة الريحان
قذفتُ..
في مسمعها السؤال... ترنح السؤال
واستطال
وصال حول سمعها...وجال
بائعة الريحان
في عينها شرود... في سمعها ثقل
وربما راودها الخجل
فاسدلت..
من صمتها حجابا
لكنني -برغم صمتها-
قذفت بالسؤال...يتبع السؤال
فالتفتت إليّ في ذهول
وهمست تقول :
تريد أن أحكي لك الحكاية..؟؟
فقلت -في تلهف شديد...
نعم ...
وكيف لا أريد؟!
بائعة الريحان
رمت إليّ نظرة طويلة
وأردفت بآهة ثقيلة
وانطلقت تقول:
حكايتي حكاية
أما ترى بأنني...أصارع الهرم؟
كأنني..
تساؤل من عصرنا القديم
عن كل ما أراه...من جديد
أو أنني علامة
تخبركم بما مضى...من عيشنا الزهيد
حكايتي حكاية..
قد عشت ـ يا بني ـ
عالمين
ولدت مرتين
وربما..
أموت مرتين
ما بين أمسي ـ أيها الفتى ـ
وبين حاضري... مسافة بعيدة
بدأتها وحيدة
وربما
أنهيتها وحيدة
بالأمس..
كانت الحياة هادئة
وكانت النفوس..هانئة
واليوم ـ يا بني ـ مثل ما ترى
تقارب الزمن
فالنوم في وطن
وقهوة الصباح... في وطن
تقارب الزمن
لكنني..
أحس بالتباعد المخيف
في أنفس البشر
ما عاد في القلوب
نبضها القديم
وحبها العظيم
تقارب الزمن
والناس يا بني يلهثون
وربما أتاهم اليقين
وهم على الطريق...يلهثون
حكايتي حكاية
في قريتي ...
بدأت رحلة الطفولة
في قريتي ...
لعبت بالتراب والحصى
رعيت..
في طفولتي الغنم
وفي الصبا..
رعيت بيتي الصغير
وأي بيت ـ أيها الفتى ـ؟!
ما عرفت جدرانه الدهان
وأرضه..
لم تعرف المفارش الوثيرة
ما كان في منزلنا كنب
ولم يكن في غرفتي سرير
وأين غرفتي ؟
كشوكة..
في حلق بيتنا الصغير
ولم تكن... إذا أتى الشتاء
تحرمنا من لذة المطر
لكن بيتنا... بالرغم من مظهره الحقير
لم يعرف الشقاء
وربما..
لأنه لم يعرف الثراء
حكايتي حكاية..
من بيتي الصغير
كنت أملك الوجود
أحس أن طفلتي شريفة
تقرب البعيد
ولا تسل عن رجل قصير
يفاجئ الذي يراه
بمظهر حقير
يداه ما صافحتا...نعومة الحياة
لكنه بطل
في وجهه ابتسامة الأمل
منحته عنايتي...وحبي الكبير
أغض طرفي إن قسا
أو ثار في غضب
وربما يضربني...لا أعرف السبب
فألزم السكوت
وإنما السكوت من ذهب
ما كان في قريتنا....تلفاز
ولم تكن تهمنا الإذاعة
وسكتت بائعة الريحان
ولم يطل سكوتها
بل أردفت تقول:
دعني أقص هذه الحكاية
العجيبة :
في سفري إلى ابنتي
وأيما سفر ؟
في ذلك الزمان
لم تعبد الطرق
وصلت...بعد رحلة طويلة
إلى ابنتي شريفة
دخلت بيتها
رأيت في مجلسها العجب
أرجل في بيتها غريب ؟؟؟؟
هل فقد الحياء...وانتهى الأدب ؟؟؟؟
رددت فوق وجهي...الحجاب
وعدت نحوها
وصحت في غضب :
أغيرت طباعك المدينة ؟؟؟؟
وكيف تدخلينني على الرجل ؟؟؟؟
ومن هو الرجل ؟؟؟؟
وهالني أني رأيت زوجها !!
يغالب الضحك !!
وكدت أن أثورا
لكنها تلطفت وقالت :
هذا هو التلفاز
تنهدت بائعة الريحان
وذهبت تقول :
ما كان في قريتنا تلفاز
ولم نكن ..
نشاهد الفتاة ـ يا بني ـ
تكاد تأكل الفتى
ما كان في النساء
هذه الوقاحة
يا ضيعة الحياء!
أحس يا بني
أن سوسة الرذيلة
ستأكل الفضيلة
وأنكم..
في كأس هذه الحضارة
ستشربون حسرة... شديدة المرارة
وأنكم..
-كما هتفتُ- سوف تهتفون:
يا ضيعة الحياء !
وعاودت بائعة الريحان
حديثها الطويل... ولملمت ثيابها
وانطلقت تقول :
في بيتي الصغير
صرت اعرف الصدر
ألست تعرف الصدر ؟؟؟؟
مزارع لزوجي الحبيب
في تهامة
كم صافحت أرجلنا...طريقها الطويل
في اليوم مرتين
ونحن نصعد الجبال
وأيما جبال ؟!
تناطح السحاب في شموخ
لا تعرف الرضوخ
في بيتي الصغير
ذقت لذة الحياة
وذقت لذة الكفاح
والتعب
ومرت السنون
ولا تسلني ..
كيف مرت السنون ؟
وأقبل الخريف
ولا تسلني ..
كيف أقبل الخريف ؟
عشية الخميس
وكانت الشمس
تعانق المغيب
وكنتُ ..
في انتظار زوجي الحبيب
وزحفت مواكب الظلام نحونا
ولم يعد...!!!
وابتلع السكون قريتي
ولم يعد...!!!
وطال بي السهر
واستأسد القلق
وعربدت مخاوفي
وشمر الأرق
وزوجي الحبيب
لم يعد...!!!
واشتعلت مواقد الظنون
والناس نائمون
وزوجي الحبيب...لم يعد
عشية الخميس
غامت السماء
فرعدها يخيف
وبرقها..
يكاد يخطف البصر
وزحف المساء واستبد...بالتلال
وعندها خرجت..
والظلام والضياء في عراك
وقريتي نائمة
فما بها حراك
وربما سمعت ..
لو أصخت سمعك الرهيف
ما يشبه الحفيف
تحدثه..
شراشف النساء
وربما..
سمعت تمتة
وجملا منغمة
وربما سمعت
-لو أصخت ثانية-
طقطقة الحطب
كأنه ..
يشكو إليك قسوة اللهب
وربما رأيت..
-لو امعنت ناظريك-
نساء قريتي
يسبقن ضوء الفجر...عند منبع المياه
ويا لهن من نساء
على ظهورهن..
ترقص القرب
وما لهن في المجون...من أرب
خرجت..
والسماء في وجوم
والريح..
تزمع الهجوم
وجسدي..
تهزه ارتعاشة غريبة
وخطرت خاطرة رهيبة
ووقف الطريق بي
أو أنني وقفت به
وجاءني الخبر...!!!
فزوجي الحبيب
مــــــــــــــــــــــــــــــات
ونال من تماسكي الدوار
وأسدل الستار
وبعدها
بدأت رحلة العناء
وصرت ـ يا بني ـ مثلما ترى
بائعة الريحان
بائعة الريحان
-العشماوي
.................................................................................................................................. وهذي قصة القصيدة :) *^* من الشاعر نفسسه طبعا xD
VIDEO
تمهلوا بالقراءة .. وأمعنوا " )