كيفكم ؟
إن شاء الله فى طاعة وخير وفرحة ^^
اليوم بإذن الله موعدنا مع تفسير بعض الآيات من سورة يوسف
هذا الموضوع أكتبه للمرة الثانية وأعتذر على التأخير الشديد ، و لكن الحمد لله أرسلته فى النهاية
قبل البدء ، علينا أن نتهيأ للوقوف أمام هذه التعبيرات القرآنية المقدسة التى تهدف إلى إصلاح النفوس والارتقاء بها بأسلوب رائع
وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ ۚ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ۖ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ (23)
يخبر تعالى عن امرأة العزيز التي كان سيدنا يوسف في بيتها بمصر ،
(وراودته التي هو في بيتها عن نفسه ) أي : ودعته إليها ، وذلك أنها أحبته حبا شديدا لجماله وحسنه ، فحملها ذلك على أن تجملت له ،
(وغلقت الأبواب) وهذا يدل على كثرة الابواب ،
( وقالت هيت لك ) أي هلم لك ، أو تعال ، تدعوه إلى نفسها ، فامتنع عليه السلام من ذلك أشد الامتناع ،
( قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي )أي : إن زوجكِ أحسن إلي ، فلا أقابله بالفاحشة في أهله ،
وكانوا يطلقون " الرب " على السيد والكبير ،
أو أن فى هذا طلب العون من الله عز وجل ، فهو تعالى الذى أنجاه من كيد إخوته ، وهيأ له أفضل مكان فى مصر للعيش فيه
ومنحه العلم و الحكمة مع بلوغه لأشده .
وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ ۖ وَهَمَّ بِهَا لَوْلَا أَن رَّأَىٰ بُرْهَانَ رَبِّهِ ۚ كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ (24)
وقد اختلفت أقوال العلماء فى تفسير "الهم" فقيل أن المراد به :حديث النفس .
وقيل : هم بضربها ، أو هم بإبعادها عنه .
وقيل : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ، وقد حدث له رؤية البرهان فلم يهم بها ،
أي أن البرهان كان سابقاً عن الهم ، فبرهان ربه كان فى قلبه من البداية .
وفى هذا الموقف "الهم" ينصره الله وينصفه ويبعد عنه شبهة الهم بمعنى الاقدام على المعصية أو التفكير فيها ،
ألم يقل جل شأنه (كَذَٰلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ ۚ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ)
ولو كان عليه السلام هم بالمعصية ، لما توسط هذا القول الكريم الاحداث .
ولذلك جاء فى كتاب البرهان ،
وجوب الوقوف على قوله (ولقد همت به) والابتداء بقوله (وهم بها)
وكذلك الوقف على قوله (يوسف أعرض عن هذا) والابتداء بقوله (واستغفري لذنبك)
فإن ذلك يبين الفصل بين الأمرين ، لأن يوسف عليه السلام أُمر بالإعراض الذي هو الصفح الجميل عمن جهل قدره عليه السلام،
أما هي فقد أُمرت بالاستغفار لذنبها ، لأنها همت بما يوجب الاستغفار ،
أما يوسف عليه السلام فلم يهم به ، فلذلك لم يؤمر بالاستغفار ، وإنما هم بدفعها عنه لعصمته عليه السلام .
وأما البرهان الذي رآه عليه السلام ففيه أقوال أيضا :
1- رأى صورة أبيه يعقوب ، عليه السلام ، عاضا على أصبعه بفمه .
2- رأى خيال الملك ، يعني : سيده ، حين دنا من الباب .
3- رفع يوسف رأسه إلى سقف البيت ، فإذا كتاب في حائط البيت : ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) [ الإسراء : 32 ]
4- ثلاث آيات من كتاب الله ( إن عليكم لحافظين ) الآية [ الانفطار : 10 ] ،
وقوله : ( وما تكون في شأن ) الآية : [ يونس : 61 ] ،
وقوله : ( أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت ) [ الرعد : 33 ]
وزاد بعضهم آية رابعة ( ولا تقربوا الزنا ) [ الإسراء : 32 ]
والصواب أن يقال :
إنه رأى من آيات الله ما زجره عما كان قد يهم به ، ولا حجة قاطعة على تعيين شيء من ذلك ، فالصواب أن يطلق كما قال الله تعالى .
وقوله : ( كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء ) أي : كما أريناه برهانا صرفه عما كان فيه ، كذلك نقيه السوء والفحشاء في جميع أموره .
( إنه من عبادنا المخلصين ) أي : من المجتبين المطهرين المختارين المصطفين الأخيار ، صلوات الله وسلامه عليه .
وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (25)
وقد اشتركا في الاستباق مع إختلاف القصد فـ يوسف هارب ، والمرأة تطلبه ليرجع إلى البيت ، فلحقته في أثناء ذلك ، فأمسكت بقميصه [ من ورائه ] فقدته قدا فظيعا ، يقال : إنه سقط عنه ، واستمر يوسف هاربا ذاهبا ، وهي في إثره ، فلقيا زوجها عند الباب ،
فعند ذلك خرجت مما هي فيه بمكرها وكيدها ، وقالت لزوجها متنصلة وقاذفة يوسف بدائها :
( ما جزاء من أراد بأهلك سوءا ) أي : فاحشة ، ( إلا أن يسجن ) أي : يحبس ،
( أو عذاب أليم ) أي : يضرب ضربا شديدا موجعا . فعند ذلك انتصر يوسف ، عليه السلام ، بالحق ، وتبرأ مما رمته به من الخيانة
وقال باراً صادقاً :
قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (26)
وذكر أنها اتبعته تجذبه إليها حتى قدت قميصه ،
( وشهد شاهد من أهلها إن كان قميصه قد من قبل ) أي : من قدامه ،
( فصدقت ) أي : في قولها إنه أرادها على نفسها ، يعني : لما دعاها وأبت عليه دفعته في صدره ، فقدت قميصه ، فيصح ما قالت .
وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (27)
وهذا الذي حدث، لما هرب منها ، أمسكت بقميصه من ورائه لترده إليها ، فقدت قميصه من ورائه .
وقد اختُلف في هذا الشاهد ، هل هو كبير أم صغير .
عن ابن عباس ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
تكلم أربعة وهم صغار : ابن ماشطة بنت فرعون ، وشاهد يوسف ، وصاحب جريج ، وعيسى ابن مريم .
وذكر أنه كان صبياً فى المهد ،
وفى اراء أخرى أنه رجل كبير ، أو ابن عمها .
فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ (28)
فلما تحقق زوجها صدق يوسف وكذبها فيما قذفته ورمته به ،
( قال إنه من كيدكن ) أي : إن هذا البهت والكذب الذي لطخت به عرض هذا الشاب به من جملة كيدكن ، ( إن كيدكن عظيم )
المصادر :
تفسير ابن كثير
تفسير الشيخ الشعراوي
كتاب البرهان في علوم القرآن للزركشى جـ1 صـ346 ، 347