الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه أجمعين..أما بعد:
فإن إخلاف الوعد من الأمور العظيمة التي انتشرت في هذه الأيام، وهو خُلق من أخلاق المنافقين التي يجب أن يبتعد عنها المؤمن، وينزه نفسه عنها، والنبي صلى الله عليه وسلم عد إخلاف الوعد من فعل المنافقين وصفاتهم، فقال عليه الصلاة والسلام: «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان» [1] وعن عبد الله بن عمرورضي الله عنهما عن النبي[ ] صلى الله عليه وسلم قال: «أربع من كن فيه كان منافقاً، أو كانت فيه خصلة من أَربعة كانت فيه خصلة من النفاق[ ] حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» [2] فانظريا رعاك الله كيف جعل في هذا الحديث خلف الوعد ربع النفاق!
وقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب الكبائر: "باب ما جاء في إخلاف الوعد، وقول الله تعالى: {فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [التوبة[ ] : 77] ...إلى أن قال: "ووجه الاقتصار على هذه العلامات الثلاث أي الواردة في حديث أبي هريرة أنها منبهة على ما عداها، إذ أصل الديانة منحصر في ثلاث: القول والفعل والنية، فنبه على فساد القول بالكذب، وعلى فساد الفعل بالخيانة، وعلى فساد النية بخلف الوعد" [3] أهـ. وقوله جل ذكره: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لاَ تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لاَ تَفْعَلُونَ} [الصف: 2-3] جاء في التفاسير أنهم قالوا: لو علمنا ما فيه رضا الله لفعلنا ولو فيه كل جهد.. ثم لمَّا كان يوم أحد لم يثبوا، فنزلت هذه الآية في العتاب. وفي الجملة: خلف الوعد مع كل أحد قبيح، ومع الله أقبح" [4].
إخواني: لقد أصبح خلف الوعد من الأمور التي يتساهل فيها الناس كثيراً، وهي من صفات المنافقين، وهي مما ينقص الإيمان[ ] ، فيجب على المسلم الوفاء[ ] بالوعد، إلا إن عجز عن الوفاء به، دون تقصير منه، فهو معذور عندئذٍ، قال أبو العلا المباركفوري: "قال النووي: أجمعوا على أن من وعد إنساناً شيئاً ليس بمنهي عنه، فينبغي أن يفي بوعده، وهل ذلك واجب أو مستحب فيه خلاف، ذهب الشافعي[ ] وأبو حنيفة والجمهور إلى أنه مستحب، فلو تركه فاته الفضل، وارتكب المكروه كراهة شديدة، ولا يأثم، يعني من حيث هو خلف، وإن كان يأثم إن قصد به الأذى، قال: وذهب جماعة إلى أنه واجب، منهم عمر بن عبد العزيز[ ] ، وبعضهم إلى التفصيل.. وكان ابن مسعود لا يعد وعداً إلا ويقول: "إن شاء الله تعالى" وهو الأولى، ثم إذا فهم مع ذلك الجزم في الوعد فلا بد من الوفاء إلا أن يتعذر، فإن كان عند الوعد عازماً على أن لا يفي به فهذا هو النفاق" انتهى [5].
وقال ابن رجب: "إذا وعد أخلف، وهو على نوعين: أحدهما: أن يعد ومن نيته أن لا يفي بوعده، وهذا أشر الخلف، ولو قال: أفعل كذا إن شاء الله تعالى ومن نيته أن لا يفعل، كان كذباً وخلفاً، قاله الأوزاعي. الثاني: أن يعد ومن نيته أن يفي، ثم يبدو له، فيخلف من غير عذر له في الخلف" [6].
والوفاء بالوعد من صفات الكرام وأصحاب المروءة. قال الأصمعي: "وصف أعرابي قوماً، فقال: أولئك قوم أدبتهم الحكمة، وأحكمتهم التجارب، ولم تغررهم السلامة المنطوية على الهلكة، ورحل عنهم التسويف الذي قطع الناس به مسافة آجالهم، فقالت ألسنتهم بالوعد، وانبسطت أيديهم بالإنجاز، فأحسنوا المقال، وشفعوه بالفعال".
قال أبو بكر: وكان يقال: "آفة المروءة خلف الوعد" [7].
نسأل الله أن يرزقنا الوفاء بالوعود، وتجنب صفات المنافقين، إنه ولي ذلك سبحانه والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
المصدر: موقع طريق الإسلام