صل الأول: أول الطريق
البداية
كان احمد يطلّع إلى السماء ويراجع حياته الماضية في انتظار الساعات القادمة. نشأ احمد في عائلة متوسطة توفي والداه وهو صغير ورباه عمه ، شب على حب العلم والدراسة وهواية القراءة وخاصة قراءة قصص البوليسية والجاسوسية والمغامرات. أكمل احمد دراسة الهندسة الالكترونية بتفوق. بعد أيام من التخرج أُعلن في الصحف عن حاجة وزارة الداخلية إلى اختصاصات هندسية مختلفة. عندها تقدم احمد إلى الوظيفة كغيره من الشباب للحصول على فرصة عمل جيدة. عندما تقدم احمد إلى الوظيفة توقع أن يحصل على وظيفة مكتبية أو هندسية في إحدى الدوائر الخدمية في الوزارة أو إحدى دوائرها الهندسية المختلفة . ولكن شاء القدر أن يختار له أمرا آخر. كان على احمد إجراء مقابلة كشرط من شروط التوظيف ، وفي يوم المقابلة اصطف عشرات من طالبي الوظائف ينتظرون دورهم للمقابلة. كان المتقدم يدخل إلى الغرفة فيخرج بعد دقيقتين أو ثلاث. جاء دور احمد ودخل الغرفة كان فيها رجلان قد خط الشيب شعرهما يرتدون ملابس مدنية أنيقة، نظرا إلى احمد نظرة فاحصة سريعة قبل أن يطلبوا منه الجلوس. بدأت المقابلة بالاستفسار عن الاسم والشهادة والتخصص ومن ثم تحولت المقابلة إلى كلام في مختلف المواضيع تضمن أسئلة عن عائلته وأمور شخصية مختلفة لم ير فيها احمد لها علاقة من قريب أو بعيد بطلب الوظيفة. أدرك احمد أن المقابلة استغرقت معه وقتا أطول من وقت المقابلات الأخرى وان نوع الأسئلة وكمها يوحيان بان الوظيفة كانت على غير المتوقع. فجأة ساد الصمت ونظر الاثنان إليه في صمت قبل أن يقول احدهما
"ما رأيك بالانضمام إلى المخابرات ؟"
اندهش احمد قليلا فقد راوده شك في إن طبيعة العمل لها علاقة بالمخابرات ولكنه لم يستطع منع ابتسامة صغيرة من الظهور على وجهه لترتسم على شفتيه.
" لماذا تبتسم ؟ "
احمد : "عفوا . لكني ابتسمت لأني في أيام مراهقتي كنت احلم أن أؤدي دور الجاسوس أو رجل بوليس وبعد أن دخلت الهندسة أوشك ذلك الحلم أن يتلاشى ولكن يبدوا إنه على وشك التحقق" .
الأول: " لم تجب على السؤال ؟"
احمد : " نعم ارغب بذلك"
اخرج الأول استمارة وقال
: " هذه استمارة لإجراء الفحص الطبي وسنتصل بك في حال قبولك ونرجو أن يكون هذا الموضوع سر بيننا نحن الثلاثة سواءً قُبلت أو لا"
احمد : " نعم سيدي "
كانت كلمة سيدي تدل على سرعة بديهة احمد وسرعة تقبله للأمر.
اخذ احمد الاستمارة ووضعها في جيبه وخرج. في اليوم التالي أجرى احمد الفحص الطبي الذي تضمن فحص طبي شامل بالإضافة إلى اختبار للّياقة البدنية. بعد أسبوعين تلقى احمد اتصال على هاتفه المحمول.
المتصل: "أستاذ احمد وليد"
احمد "نعم "
المتصل " مبروك لقد قبلت في الوظيفة "
احمد "بارك الله فيك"
المتصل "نرجوا منك مراجعة الاستعلامات غدا"
احمد "حسنا سيدي"
في اليوم التالي وصل احمد الى الوزارة وقبل أن يصل إلى الاستعلامات سمع صوتا يناديه ويطلب منه أن يتبعه ، كان صاحب الصوت في منتصف العمر يرتدي ملابس مدنية سار إلى خارج الوزارة. تبعه احمد فقاده الرجل إلى سيارة متوقفة خارج الوزارة فجلس الرجل في مكان السائق وجلس احمد إلى جانبه.
"السائق " أهلا بك أستاذ احمد" كان صوته نفس صوت صاحب الاتصال الهاتفي في الأمس.
احمد : " اهلا بك "
السائق: " سأوصلك إلى مقر الشركة سيدي"
" شركة " قال احمد نفسه .." هل هي هذه إحدى الرموز التي يتداولها رجال المخابرات كما في القصص والأفلام ".
بعد نصف ساعة من السياقة الهادئة وصلت السيارة إلى إحدى المزارع في ضواحي العاصمة. كانت المزرعة يحيطها سور عالي وداخلها مبنى واسع المساحة. توقفت السيارة داخل مرآب المبنى. ترجل السائق وخلفه احمد حيث قاده السائق إلى داخل المبنى حيث كان هناك مدخل جانبي يؤدي إلى ممر توزعت على جانبيها غرف مغلقة احداها كتب على بابها "المدير".
فتح السائق الباب لاحمد طالبا منه الدخول. دخل احمد ليجد احد الشخصين الذين قابلهما في المقابلة. كان جالساً خلف مكتب بسيط فارغ من أي موجودات. قام الرجل عند رؤيته لأحمد وسلم عليه بحرارة وطلب منه الجلوس.
"كيف كان الطريق"
"جيد"
"هل أخبرت احد انك انضممت للمخابرات "
"كلا"
"حتى اهلك"
"نعم لم اخبر احد"
" احمد سأسألك سؤال إن أردت أن تجيب بنعم فستبقى معنا لنهاية المشوار و إن أجبت بكلا فستخرج من هنا وننسى كل شيء .. واضح"
" نعم سيدي " أجاب احمد بهدوء.
" هل أنت مستعد للتضحية بحياتك وبكل ما تملك من اجل الأمة والوطن "
" نعم سيدي " أجاب احمد بحزم.
ظهرت ابتسامة رضا على محيا الرجل.
"ممتاز.. إذن لاستكمال توظيفك عليك أداء القسم "
"حاضر سيدي"
"سأقرأ وردد بعدي .. اقسم بالله .. أن احمي الوطن وادفع عنه شر الأعداء .. وان ابذل حياتي وكل ما املك .. في سبيله وفي سبيل الأمة ".
ردد احمد القسم .
" هناك تعليمات يجب أن تحفظها وتنفذها بدقة بدون خطأ واحد اكرر بدون خطأ واحد "
"حاضر سيدي"
"أولا إفشاء أي معلومة عن طبيعة عملك أو أي معلومة تسمعها أو تراها هنا أو أي معلومة عن هذا المكان أو عن أي شخص تشاهده هنا لأيٍ كان مهما كان السبب سيعتبر خيانة عظمى.... ممنوع تدوين أو حفظ أي معلومة مما سبق ذكره بأي طريقة ما عدا تدوينه في ذهنك وعقلك.. ممنوع التدوين بأي طريقة في ورقة.. في محمول .. في حاسبة .. ممنوع منعا باتا وسيعتبر ذلك أيضا خيانة.... عندما تخرج من هنا إلى بيتك ستنسى كل شيء عن هذا المكان أو الأشخاص الذين ستراهم هنا.. عندما ترانا في الشارع يمنع عليك الاقتراب منا أو التكلم معنا حتى لو كنت في مناسبة اجتماعية أو في سيارة أو في أي مكان.. فقط السلام العادي إذا اضطر الأمر .. العلاقات النسائية ممنوعة بكل أشكالها، خطوبة، زواج، صداقة، الخ.. سيكون دوامك في هذه الدائرة سرا من أسرار الدولة العليا .. ستداوم في العمل ستة أيام في الأسبوع ومن الثامنة صباحا وحتى الخامسة مساءا ... أي موضوع شخصي أو مشكلة تمس حياتك في الخارج تستطيع طرحه هنا في هذا المكتب قبل أن تعبر هذا الباب.." وأشار إلى باب جانبي.
" بعد أن تعبر هذا الباب ستنسى أي شيء عن حياتك خارجا و سيكون كل تركيزك في ما يجري في الداخل ".
اخرج الرجل هوية وأعطاها لأحمد.
" هذه بطاقة الهوية لعملك.. أنت الآن موظف في هيئة الأحوال الجوية في قسم الصيانة لكنك في الحقيقة لن تصل إليها أبدا .. ستقول أن توظيفك تم في تلك الدائرة.. وسأزودك بمعلومات عنها تباعا لتستطيع أن تجيب على أي أسئلة ممكن أن تسأل عنها من قبل اهلك أو أصدقائك..ستستلم مبلغ راتبك الشهري من هنا .. بعد أن تعبر هذا الباب ستجد غرفة فيها كابينات غير ملابسك وضع ملابسك وإغراضك في الكابينة رقم 1 .. سترتدي الزي الموجود فيها وستخرج من الباب الأخر ".
اخرج الرجل من جيبه مفتاح وأعطاه إلى احمد.
" هذا مفتاح الكابينة .. وعند خروجك ستفعل العكس .. وستقوم بهذا الإجراء يوميا"
قام احمد ليتجه إلى الباب الجانبي.
" انتظر ... إذا أردت مناداتي فستناديني . سيد ماهر .."
" نعم سيدي".
اتبع احمد التعليمات ودخل الغرفة وفتح الكابينة فوجد فيها زي عسكري ازرق اللون يحمل شارة رقم 1 . استبدل احمد الملابس وعبر الباب الثاني إلى حياته الجديدة.
****
أيام التدريب
وجد احمد نفسه داخل قاعة ضخمة مبنية من هيكل حديدي مسقف ومغلق من كل الجوانب تنيرها مصابيح كبيرة معلقة في السقف وعلى الأرض ساحة تدريب عسكري ممتدة على مساحة كبيرة, وقبل أن يدقق في تفاصيل المكان أكثر سمع صوت يناديه
" رقم 1 .. تعال ".
التفت احمد إلى مصدر الصوت كان الرجل الثاني في المقابلة يمارس التمارين الرياضية في أقصى اليمين وقد ارتدى الملابس العسكرية. ارتبك احمد قليلاً لمناداته برقم واحد لكن الرجل أشار إليه بان تعال، أسرع احمد السير.
" اركض ".
صاح الرجل بحزم ركض احمد إلى الرجل ووقف أمامه.
" نعم سيدي ".