كنت عائداً بسيارتي من أمريكا إلى كندا حيث إقامتي ، وعند الحدود الكندية أعطيت جواز سفري الكندي إلى الموظفة المختصة ، ولما قرأت مكان الولادة "سوريا" ..
سألتني: كيف سوريا؟
فأجبتها: بخير!! ونرجو الله أن تبقى بخير.
سألتني: منذ متى وأنت تعيش في كندا؟
أجبتها: أنهيت لتوي السنة العاشرة.
سألتني: متى زرت سوريا آخر مرة؟
أجبتها: منذ ثلاثة أعوام.
فنظرت إلىَّ وهي تبتسم وسألتني: من تحب أكثرسوريا أم كندا؟
فقلت لها: الفرق عندي بين سوريا وكندا كالفرق بين الأم والزوجة..
فالزوجة أختارها .. أرغب بجمالها .. أحبها ..أعشقها .. لكن لا يمكن أن تنسيني أمي.
أما الأم فلا أختارها .. ولكني أجد نفسي ملكها .. لا أرتاح إلا في أحضانها .. ولا أبكي إلا على صدرها .. وأرجو الله ألا أموت إلا على ترابٍ تحت قدميها.
أغلقت جواز السفر ونظرت بإستغراب وقالت: نسمع عن ضيق العيش فيها ، فلماذا تحب سوريا!!؟؟
قلت: تقصدين أمي!!
فإبتسمت وقالت: لتكن أمك!!
فقلت: قد لا تملك أمي ثمن دوائي ولا أجرة الطبيب لي ، لكن حنان أحضانها وهي تضمني ، ولهفة قلبها حين أكون بين يديها .. تشفيني.
قالت: صف لي سوريا.
فقلت: هي ليست بالشقراء الجميلة .. لكنك ترتاحين إذا رأيتِ وجهها ..
ليست بذات العيون الزرقاء .. لكنك تشعرين بالطمأنينة إذا نظرتِ إليها ..
ثيابها بسيطة .. لكنها تحمل في ثناياها الطيبة والرحمة ..
وتتزين بالذهب والفضة .. لكن في عنقها عقاً من سنابل القمح .. تطعم منه كل جائع ..
(...............) .. ولكنها ما زالت تبتسم لك ..
أعادت إليَّ جواز السفر وقالت: أرى سوريا على التلفاز .. ولكني لا أرى ما وصفت لي!!
فقلت لها: أنت رأيت سوريا التي على الخريطة .. أما أنا فأتحدث عن سوريا التي تقع في أحشاء قلبي.
فقالت لي: أرجو أن يكون وفائك لكندا مثل وفائك لسوريا.. أقصد وفائك لزوجتك مثل وفائك لأمك.
فقلت لها: بيني وبين كندا وفاءً وعهد ، ولست بالذي لا يفي عهده ، وحبذا لو علمتِ أن هذا الوفاء هو ما علمتني إياه أمي.
..