بسم الله الرحمن الرحيم ....
بنظراته الهائمة السابحة في الفضاء ...
بكل رقته وشفافيته وعنفه وقوته في نفس الوقت ...
بما يحمل داخله من مشاعر متأججة ومتناقضة ...
بعشقه لهدف واحد وتضحيته لأجله بما يشيب له الشعر من تحمل وصبر وقوة ...
دخل مسلسل الملاكمة والدراما الكرتوني ( البطل جو يابوكي ) قلبي من اوسع ابوابه،بل حفر له مكانا
أبديا،وسكن ألمه في وجداني،بموسيقاه الرائعة التي أرددها في كثير من الأوقات بيني وبين نفسي ومسمعي ،برسمه المتناسق القوي والواقعي والمخيف أحيانا من شدة واقعيته،بقوة أحداثه وشراسة كفاحه،جو يابوكي...البطل الذي أراد الاستمرار حتى يصل الى الشحوب،الذي عاش ومات كذئب وحيد،احترق وتوهج فوق الحلبة التي ترمز الى الحياة باسرها في نظره،هذا المسلسل...ما سر كل هذه الروعة فيه ؟
الفن هو ليس مجرد قصة مسطورة واحداث منثورة ، الفن ان لم يلامس شغاف القلب،ان لم يسحب الدمعة من عينك،او يرسم البسمة فوق شفتيك،فهو أمر لا طائل منه،بل هو ابعد ما يكون عن الفن،الفن هو ذلك الاحتراق الداخلي والوميض الحارق الذي يملا الروح فيعكسها واقعا في كتاب او رواية او شعر او نثر او سوى ذلك من الفنون...
مسلسل الرسوم المتحركة الياباني المدبلج الى اللغة العربية تحت عنوان ( البطل ) يحكي قصة ملاكم،ولكن مهلا ً...ليس مسلسل رياضة فقط،او مسلسل فوز وخسارة كما هو الحال مع بقية الكرتون الرياضي الذي ملا الشاشة بسذاجته وصراخ ابطاله وتشنجهم لاجل الفوز،( البطل ) قبل كل شيء قصة انسان...انسان عادي لا يمتلك قوة اسطورية تؤهله للفوز بكل مبارياته،وليس ذلك الشخص الخرافي المثالي الذي تملا الطيبة اركان قلبه وكل تصرفاته فلا يخطيء البتة...جويابوكي انسان بكل ما تحمله الكلمة من معاني...
اكلمكم عن جو ، وفي الواقع انا اكلمكم عن نفسي ، التي تغيرت للابد بعد مشاهدتي لهذه التحفة الاسطورية بأبطالها...
جو يابوكي ، هذا الصبي الوحيد ، الذي لا يعرف له ابا او اما ، نشا وتنقل بين دور الايتام وبين اصلاحية الاحداث والسجون ، قد يخيل لمن يسمع هذا الكلام اننا نتحدث عن مجرم طليق او قاتل ماجور ، ولكن في الحقيقة هذا الصبي الفريد من نوعه بداخله قلب في غاية الرقة والوداعة رغم شراسته الظاهرة ، لا يطيق ان يرى احدا يظلم ، يداري مشاعره في الغالب ولا يظهرها الا في لحظات نادرة عندما تتفلت منه سيطرته على دموعه او يفقد السيطرة على زمام جوهره الصادق ، فيظهر ما في قلبه صادقا واضحا جليا لا يخبئه شيء ...
جو احترف الملاكمة عندما التقى بدامبي تانج ، ذلك الرجل العجوز الأعور الذي اصبح مدربه ورفيق عمره ، هما في حال دائم من الشد والجذب ، يجمعهما هدف مشترك ولكن لهما بعض الصفات المتناقضة ، فحيث ان جو عنيد لا يستسلم بسهولة ويصارع الاهوال لاجل تحقيق ما في راسه ، نجد دامبي – رغم ملامحه القاسية كأنه قرصان – وعينه العوراء ساكنا وديعا وكثيرا ما يعرض على جو التراجع وقت الازمات لكن جو يمضي في طريقه لا يلوي على شيء ...
جو هذا الصبي الذي اصبح ملاكما ، عشق الملاكمة لانها كما يقول:" تتيح له هنيهات يفرغ فيها ما بداخله "، ما هو هذا الذي بداخل جو ، لا احد يعلم ، حتى في الحلقات الاخيرة عندما تفيض مشاعر جو وتخرج منه بعض المكنونات يظل ما في صدره وعقله غامضا للكثيرين ، يقول جو انه لا يذكر فيم كان يفكر قبل ان يحترف الملاكمة ويتساءل باستغراب:" ما هي الملاكمة اصلا ً ؟ مجرد شخصين يكيلان الضرب واللكم لبعضهما ..؟ "...
هذه هي الملاكمة ولا شيء اخر البتة ، وبرغم ذلك ، جو يعشقها كأنها الحياة بأسرها ، ولا يعتبرها مجرد رياضة طائشة ، أو لعبة أطفال – كما ذكر له أحد منافسيه الشرسين ذات مرة ، ذكر له بأنه يعتبر الملاكمة مجرد لعبة أطفال وليست تنفيسا لغرور داخلي كما في حالة جو – هكذا يزعم ذلك الملاكم الشرس وهو لا يعرف حقيقة ما بداخل نفس جو، وتلك قصة اخرى...
جو انسان رقيق يحب الاطفال الفقراء ويلعب معهم كأنه واحد منهم ، ولعله بالفعل في داخله طفل صغير ، نجده قاسيا وشرسا مع الجميع ، حتى مع مدربه الذي هو في مكانة والده ضربه ذات مرة بقسوة حتى كاد يقتله بسبب مشكلة قوية دبت بينهما ، الا مع الاطفال الفقراء فهو يعاملهم معاملة خاصة ولم يجرؤ يوما على ان يرفع صوته في وجه احد منهم او يمد يده عليه ، دائما يراعي مشاعرهم وينفذ لهم كل طلباتهم بلا استثناء ويشتري لهم الهدايا والالعاب ، وذلك بشكل يظهر ما يداريه من عواطف خفية تجاه الناس كلهم ، هو فقط لديه هدف مستحوذ على كيانه كله وهو ان يهب نفسه للملاكمة ولعل هذا ما جعله قاسيا مع الناس ولا يفهمهم ، ولكن برغم ذلك فان كثيرا من هؤلاء الناس احبوه وتعلقوا به وكأن جوهر الصادق قد بث شعاعه بداخلهم فأحسوا به وتفهموه جيدا ...
جويابوكي كان يمثل الوعاء الذي تمر من خلاله كل الشخصيات فيجيدها ولا يجيد نفسه ، كالممثل الذي يستطيع أن يكون كل شيء إلا نفسه ، لهذا كان هو ذئب كالذئب كماقوشي..متوحشا ً كحريمو الماليزي..وعاطفي ككارلوس أوليفيرا..وصامدا ً كصمود ركيشي الذي قضى عليه في نهايه المطاف..ركيشي هو الرجل الذي قتل قاتله بعد مماته...
الرجل الوحيد الذي كان هو جويابوكي واشترك معه في الاسم حتى هو جوروماكي...جوروماكي كان يشترك مع يابوكي في كل شيء..في بروده وقوته وسرعة بديهته إلا أن هنالك فرقا ً واحدا ً بين هذين الصديقين وهو أن جوروماكي كان يحكم عقله دائما ً في الأمور ولا يجعل عاطفته أو الآخرين يتحكمون به وقد قالها كثيرا ً لجويابوكي مثل هذا...
ما الذي يبقى في الذاكرة بعد كل هذا.....؟
يبقى في الذاكرة ذاك العبق من التعبيرات الطنانة والرنانة والتي ما نفتأ أن نرددها بين الفينة والأخرى مهما كان العمل الفني الذي شاهدناه فيبقى في ذاكرتنا منه ما أثر في نفوسنا عليها
فمن حسان بن ثابت...تظل جيادنا متمطرات ٍ***تلطمهن بالخمر النساء
و ويليام شيكسبير...أكون أو لا أكون هذا هو السؤال
إلى مارلين براندو العراب...سأقدم لك عرضا ً لا تستطيع رفصه
حتى جوروماكي...جويابوكي كالرجل الذي يركض بسرعة على جنبات الطريق فيلفظ انفاسه انثائه
-----------------------------------
إن شئتم الحق فسبب كتابة هذه المراجعة عن هذا المسلسل هو واحدة من شخصياتي المفضلة العزيزة على قلبيجوروماكي الذي استقر في نفسي مستقر لا يعلمه إلا المقربين مني كقربي منه ومنكم الآن
شخصية فيها تشابه كثير بشخصيات أخرى سواء في عالم الأنمي أو في نفس مسلسل البطل أو غيره شخصية فاقت الحدود تأسر المشاهد حتى لو أن المشاهد ابغضها إلا أنه لا ينكر دورها وتميزها
أجمل ما في الأعمال الفنية هي الشخصيات الصف الثاني أو التي تأتي بعد الأبطال أو الشخصيات الثانوية أن احببتم وهذا نجده في كثير من الأعمال سواء الكارتونية أو السينمائية أو المسرحية أو حتى التلفزيونية
ففي التلفاز..مسلسل الزير سالم مثلا ً..جساس والزير وكليب..لكن الاعجاب انحرف ايضا ً لشخصية رائعة أخرى هي شخصية الحارث بن عباد ذاك العجوز الذي لم يشارك في الحرب إلا بعد موت ابنه مقابل نعلي كليب على لسان الزير.." بؤ بشسع نعل كليب "
أما المسرح..ولنأخذ المسرح العالمي كمثال لقلة الخبرة عند البمتلقي بالمسرح العربي..مسرحية ماكبث لشيكسبير..كانت زوجة ماكبث الصماء البكماء التي لا تتكلم هي التي أفضت ذالك الجانب الكرية المظلم على شخصية ماكبث بالرغم من صمتها المطبق عليها
والسينما أيضا ً كذلك...ولنأخذ العراب لشهرته...صحيح أن التحدث عن العائلة عائلة كرليوني وزعيمها إلا أن كان هنالك ضوءا ً تجاه الابن الذي ابعد نفسه عن اعمال العائلة حتى صار هو نفسها وهو مايكل الابن الاصغر
في عالم الأنمي هنالك العديد من الشخصيات...في جزيرة الكنز مثلا ً هنالك جراي وجورج النقيضان كتناقض الليل والنهار...عدنان ولينا طاقم السفينة كله من الطباخ وعمروس حتى آخرهم ...ليدي أوسكار برناند والاين شبيه اوسكار وماري انطوانيت نقيضة أوسكار...زعيم غابة شيرود جون ومعاونه في روبن هود...وغيرهم وغيرهم....
في البطل كان هنالك كثيرين ميشو الطفلة الضغيرة ذات التنورة الحمراء...كين الملاكم الكوري ذا العيون الناعسة وكأن ابو القاسم الشابي شاهد عينيه لكي يرمز للصباح بها ليقول في مطلع قصيدته الشهيرة " أقبل الصبح يغني***للحياة الناعسة "...الصحفي المستبز سوجا...وبالتأكيد زعيم هذه الشخصيات كلها رغم قلة ظهوره بالمقارنة معهم وهو...جوروماكي
قد لا يكون هذا المسلسل الرائع شهيرا كغيره من المسلسلات الكرتونية القديمة مثل ( عدنان ولينا ) و ( جزيرة الكنز ) أراهن أنه مسلسل نخبوي كنخبوية مسلسلات أمثال ( ليدي أوسكار ) رغم انه في رايي أنه ومعها يتربع ويحتل عرش الفن الكرتوني بجودة ومهارة ومشاعر قل نظيرها...
-----------------------------------
احببت بعد طول هذا السرد أن أكون موجزا ً إلى حد كبير واقتصر على جوانب فنية معينة دون اخرى قد اكون لم اتطرق لها مثل الدوبلاج العربي والموسيقى التصويرية للمسلسل والسيناريو وغيرها من الأمور لكنني احببت أو أوسس للنقد المباشر بشكل مبدئي حاليا ً قد اتعمق فيها في مراجعات لمسلسلات أخرى...لكن مبدئيا ً مجرد جس نبض أن صح التعبير
والسلام ليس الختام
أخوكم....Snap