ما من مصيبة تقع على أي دابة كانت إلا بذنب
ذنب خفي أو جلي ، صغير أو كبير
قال تعالى: ( فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا ) الزمر:51
وشاهدها قوله تعالى: ( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) الشورى:30
قال ابن الجوزي رحمه الله تعالى :
" خطرت لي فكرة فيما يجري على كثير من العالم من المصائب الشديدة، والبلايا العظيمة، التي تتناهى إلى نهاية الصعوبة فقلت سبحان الله. إن الله أكرم الأكرمين، والكرم يوجب المسامحة. فما وجه هذه المعاقبة ؟
فتفكرت، فرأيت كثيرا من الناس في وجودهم كالعدم،لا يتصفحون أدلة الوحدانية، ولا ينظرون في أوامر الله تعالى ونواهيه، بل يجرون ـ على عاداتهم ـ كالبهائم. فإن وافق الشرع مرادهم وإلا فمعوّلهم على أغراضهم.
وبعد حصول الدينار، لا يبالون، أمن حلال كان أم من حرام. وإن سهلت عليهم الصلاة فعلوها، وإن لم تسهل تركوها. وفيهم من يبارز بالذنوب العظيمة، مع نوع معرفة الناهي. وربما قويت معرفة عالم منهم، وتفاقمت ذنوبه.
فعلمت أن العقوبات، وإن عظمت دون إجرامهم. فإذا وقعت عقوبة لتمحص ذنبا صاح مستغيثهم: ترى هذا بأي ذنب؟ وينسى ما قد كان، مما تتزلزل الأرض لبعضه. وقد يهان الشيخ في كبره حتى ترحمه القلوب، ولا يُدري أن ذلك لإهماله حق الله تعالى في شبابه. فمتى رأيت معاقبا، فاعلم أنه لذنوب. "
هنا في هذه الخاطرة يضع ابن الجوزي يده على أعظم مصيبة يـُبتلى بها العبد وتكون جالبة لكل عقوبة من الرب تبارك وتعالى ألا وهي (الذنـــــــوب)
وأنا اذكر لما وقع الزلازل في مطلع التسعينيات خرج بعض الصحفيين يرد على أهل العلم الذين ذكـّروا الناس أن هذا إنما هو لذنب، فانكروا أن تكون مثل هذه العقوبات بذنب !!
ونحن نعلم أن الله تبارك وتعالى لا يعاقب أحدا قط إلا بذنب .. و ما من مصيبة تقع على أي دابة كانت إلا بذنب ..
حتى البهائم بالرغم من أنها غير مكلفة إلا أننا مثلا نعلم أن في بعض الأحاديث أن النبي صل الله عليه وسلم قال لأبي ذر وقد رأى عنزين ينتطحان قال: يا أبا ذر تعلم فيما ينتطحان؟
قال: لا يا رسول الله.
قال: إن الله عز وجل يعلم وسيفصل بينهما.
وفي صريح الآية: ( وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِمَا كَسَبُوا مَا تَرَكَ عَلَىٰ ظَهْرِهَا مِن دَابَّةٍ ) فاطر:45
يبقى إذا نحن نمشي على الأرض بفضل محض تفضل الله تبارك وتعالى ،،،
فما من عقوبة تنزل إلا بذنب وقع ..
لكن وقع الذنب على العبد يختلف .. فمرة تكون العقوبة لتمحيص ذنب أو لرفع درجة .. وهذا يسمى أثر وقع الذنب على العبد
وهذا المعنى مبثوث في كثير من آيات القرآن العظيم ، منها :
قول الله تبارك وتعالى : (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ ۗ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) آل عمران: 11
فهذا صريح أن الله تبارك وتعالى ما أخذهم إلا بذنوبهم ..
وكقول الله تعالى: ( أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا ۖ قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنفُسِكُمْ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )
آل عمران: 165
وكقول الله تبارك وتعالى: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَىٰ نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ ۚ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم ۖ بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ ۚ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ) المائدة:18
--------------------
نقلا عن الشيخ العلامة أبي اسحاق الحويني (بتصرف يسير)
" إن من ابتلاه الله بمصيبة بسبب ذنبه فصبر وشكر غفر الله تعالى له ذنبه ، ورفع درجته في الجنة ، ووفاه أجر الصابرين المحتسبين .
كما أن من ابتلاه الله بالمصيبة ليبلغ المنزلة الرفيعة التي كتبها له في الجنة ، تكفر عنه ذنوبه السالفة ، وتعتبر جزاء له عليها في الدنيا ، فلا تكرر عليه في الآخرة ، كما وقع لبعض الرسل والأنبياء : كآدم عليه السلام ، ويونس عليه السلام ، حين ابتلى الله سبحانه وتعالى آدم بالإخراج من الجنة ، وابتلى يونس بن متى بالغرق في بطن الحوت ، فرفعهما الله بهذا البلاء لصبرهما واحتسابهما الثواب عنده سبحانه ، وكانت كفارة للمخالفة التي وقعت من كل منهما عليهما الصلاة والسلام . "
الموضوع منقول عن منتديات أحلى حياة في طاعة الله