بسم الله الرحمن الرحيم
افضل ما سمعت في باب المروءة والاحسان ، ان امرأة بائسه وقفت
ليله العيد من الاعياد بحانوت تماثيل في باريس ، يطرقه الناس في
تلك الليله لابتياع اللعب لاطفالهم الصغار ، فوقع نظرها على تمثال
صغير من المرمر ، هو ايه الايات في حسنه وجماله ، فابتهجت بمراه
ابتهاجا عظيما، لا لانها غريره بلهاء يستفزها من تلك المناظر الصبيانيه
ما يستفز الاطفال الصغار ، بل لانها كانت تنظر اليه بعين ولدها
الصغير الذي تركته في منزلها ينتظر عودتها اليه بلعبه العيدكما وعدته
فأخذت تساوم صاحب الحانوت فيه ساعه ، والرجل يغالي به مغالاة
شديده .
حتي علمت ان يدها لا تستطيع الوصول الى ثمنه ، وانها لا تستطيع
العودة بدونه .
فساقتها الضرورة التى لا يقدر قدرها الا من حمل بين جنبيه قلبا
كقلب الام ، الا ان تمد يدها خفية الى التمثال ، فتسرقه من حيث
تظن ان الرجل لا يراها ، ولا يشعر بمكانها .
ثم رجعت ادراجها وقلبها يخفق في ان واحد خفقتين مختلفتين ، خفقة
الخوف من عاقبة فعلتها ، وخفقة السرور بالهديه الجميله التي ستقدمها
بعد لحظات قليله الى ولدها .
وكان صاحب الحانوت من اليقظه وحدة النظر بحيث لا تفوته معرفه
ما يدور حول حانوته ، فما برحت المرأة مكانها حتي تبعها يترسم
مواقع اقدامها ، حتى عرف منزلها ، ثم تركها وشأنها وذهب الى
الشرطه ، فجاء بجنديين للقبض عليها ، وصعدوا جميعا الى الغرفه
التي تسكنها ففاجأوها وهي جالسه بين يدي ولدها تنظر الى فرحه
وابتهاجة بتمثاله نظرات الغبطه والسرور ، فهجم الجنديان على الام
فاعتقلاها . وهجم الرجل على الولد فأنتزع التمثال من يده ، فصرخ
الولد صرخه العظمى ، لا على التمثال الذي انتزعه منه ، بل على امه
المرتعده بين يدي الجنديين وكانت كلمه نطق بها وهو جاث ، بين
يدي الرجل :رحماك بأمي يا مولاي .
وظل الولد يبكي بكاء شديدا . فجمد الرجل امام هذا المنظر المؤثر
واطرق اطراقا طويلا . وانه لكذلك اذا دقت اجراس الكنائس
مؤذنه باشراق فجر العيد . فأنتفض انتفاضه شديده ، وصعب عليه
ان يترك هذه الاسره الصغيره المسكينه حزينه منكوبه في اليوم الذي
يفرح الناس جميعا ، فألتفت الى الجنديين وقال لهما أظن اني
أخطأت في اتهام هذه المرأة فأني لا ابيع هذا النوع من التماثيل .
فانصرفا لشأنهما . والتفت هو الى الولد ، فأستغفره ذنبه اليه والى
امه ثم مشى الى الام فأعتذر اليها عن خشونته وشدته ، فشكرت له
فضله ومرؤته . وجبينها ينفض عرقا حياء من فعلتها ، ولم يفارقهما
حتي اسدى اليهما من النعم ما جعل عيدهما اسعد واهنى مما كانا
يظنان .................................